فن

ولاد رزق 3: ماذا قدمت الميزانية الضخمة للإخوة الأربعة؟

يعتمد «ولاد رزق» على الانغماس في مجموعة من المتع والخطايا، فهو يحتفل بالانحدار، لكن ما يميزه عن غيره من الأفلام المصرية هو أنه مخلص لذلك الانحدار.

future بوستر فيلم «ولاد رزق: القاضية»


عرض الجزء الثالث من سلسلة «ولاد رزق: القاضية» في السينمات المصرية والعربية، ضمن أفلام موسم عيد الأضحى المحدودة وبتسويق أشبه بتسويق لحدث أو احتفال وليس فيلما سينمائيا، لاقى الفيلم الذي كتبه صلاح الجهيني وأخرجه طارق العريان نجاحا ماديا وجماهيريا كبيرا، وأتى بصيغة انتاجية مشتركة بين عدة شركات مصرية وسعودية وبرعاية موسم الرياض، الذي أخذ على عاتقه تسويق الفيلم باعتباره حدث فريد من نوعه للتسويق للمملكة بشكلها الجديد، على غرار التسويق بتصوير أفلام مثل مهمة مستحيلة لتوم كروز في دبي، يتبع الفيلم صيغة ثابتة يمكن تتبعها في الأجزاء الثلاثة، لكنه في كل مرة يزداد في الميزانية ويوسع الإطار والسياق، يسير «ولاد رزق: القاضية» على خطى الفيلمين الآخرين، بالترتيب ذاته والبناء الدرامي ذاته، لكن كل نقطة درامية وبصرية تصبح أكبر وأكثر ضخامة، سواء بشكل إنتاجي أو درامي داخلي، مما ينتج عنه نسخة مطابقة لكنها أكثر بذخا من أجزاء السلسلة الناجحة.

عندما عرض الجزء الأول من ولاد رزق عام 2015 صنع حالة من الجدل الإيجابي والسلبي، من جهة كان نموذج طازج لأفلام الحركة، مع التواءة حبكة مفاجئة و انغماس في إطار محلي لتلك الحركة، من جهة أخرى أثار الفيلم الجدل لمحتواه المباشر لغويا واستخدام شتائم أقرب لتلك التي يستعملها المصريون في الشارع من تلك التي تستخدمها أفلام السينما، والتمثيل النسائي الذي يقتصر على نساء يتم التعدي عليهن لفظيا وجسديا، أوالعاملات بالجنس كجوائز للأبطال، أو اللاتي يعتبرن أبطال الفيلم كرجال لا يمكن مقاومتهم، وفي فئة منفصلة النساء اللاتي يمكن الوقوع في حبهن والارتباط بهن،  جعلت تلك العناصر بإيجابياتها وسلبياتها وقربها للشكل الحقيقي لتصور عموم الرجال لمفاهيم الرجولة من ولاد رزق فيلم حركة معاصر أيقوني، فهو في النهاية تحقيق لفانتازيا رجولية يوتيوبية، حيث كل الرغبات متاحة ومكافأة.

الراوي المضلل واطمئنان التكرار

تدور أحداث فيلم ولاد رزق «القاضية» حول اضطرار الإخوة الأربعة: رضا (أحمد عز)، ربيع (عمرو يوسف)، رمضان (كريم قاسم) وهذه المرة دون رجب (أحمد الفيشاوي) للعودة من اعتزال «توبة» مؤقتة، تستبدل تلك الإضافة كذلك عاطف (أحمد داوود) صديق الأسرة الساذج بشخصية مشابهة تدعى الكوري (علي صبحي)، الذي لا يقدمه الفيلم بأي شكل، لكن كاريزما صبحي الطبيعية جعلت الجمهور يرتبط بالكوري دون جهد، كما يدخل حليف جديد غامض وهو «الشايب» (آسر ياسين) الذي تم تقديمه في الجزء الماضي.

مثل الأجزاء السابقة، فإن الاخوة دائما في نية للتوقف عن الأعمال الغير قانونية، لكن يعيدهم إلى دائرة السرقة والاحتيال سبب قهري، غالبا ما يكون دين لرجل لا يمكن التصدي له، يجمع «القاضية» كل الأشرار والحلفاء السابقين ليصنع بهم دائرة يصعب الفكاك منها، ويضيف عليهم أشرار جدد، يتحد الإخوة مع الحليف الذي كان عدوهم سابقا «رؤوف حمزاوي» (محمد ممروح)  الشرطي السابق في عملية كبيرة لسرقة ساعة ذهبية مرصعة بالألماس تخص رجل ذو نفوذ يدعى سلطان الغول، تلك العملية المعقدة سوف تتم على مرأى من الآلاف أثناء «موسم الرياض» بالرياض، وسوف تساعد الإخوة في تسديد دين كبير لشرير غرائبي جديد يدعى «النونو» يقوم بدوره أحمد فهمي.

مشهد من فيلم «ولاد رزق 3: القاضية» (2024)

يمر «القاضية» على جميع نقاط الحبكة التي ميزت الفلمين السابقين:عودة الإخوة بمهمة ضخمة، الشك في خيانة من أحد الحلفاء، تهديد كبير، ثم انتصار، لكن الأهم والثابت هو هندسة ذلك الانتصار عن طريق بناء مقلوب للفيلم يبدأ من النهاية، باختطاف احد الاخوة أو الحلفاء من قبل شرير من الأشرار واستجوابه طيلة مدة الفيلم ومن خلاله سرد الأحداث بشكل خطي.

يعتمد ذلك على تقنية الراوي المضلل unreliable narrator، حدث ذلك في الجزء الأول مما أسفر عن التواءة حبكة مفاجأة، فذلك الراوي الذي نرى الأحداث الماضية من وجهة نظره ويرشدنا بصوته يتضح أنه مشارك في خطة محكمة للايقاع بخاطفه، تكرار تلك الخاصية خفف من وقع المفاجاة في الجزء الثاني وجعل الجزء الثالث آمن تماما، فهناك توقع مسبق من المتلقي أن ذلك هو البناء وتلك هي النتيجة، وهو في انتظار معرفة «كيف سيفعلونها تلك المرة»، ليس ما إذا كانوا سيفعلونها.

ذلك الاطمئنان للتكرار جعل الفيلم دون مخاطر تقريبا، فالإيذاء الحادث للمخطوف يصعب تصديقه فالجميع يعلم أن المفاجأة قادمة، والمخاطر الكبيرة التي جعلت الإخوة يمكن التعاطف والتورط معهم في الأجزاء السابقة معدومة، العنف نفسه أصبح مقنن ومدجن، لن تقتلع عين أحد الاخوة أو يفقد إصبعه للضغط على إخوته، لن يعذب صديق العائلة عاطف (أحمد داوود) لكي يدلي باعترافاته، في القاضية حتى الموت لا يمثل خطر حقيقي، لذلك تصبح ذروة العمليات على تطورها التقني وحجمها المادي والانتاجي مجرد استعراض إعلاني دون تورط عاطفي أو ثقل درامي من أي نوع.

الخشونة المحلية

أحد الأسباب الرئيسية لتأثير ولاد رزق الجزء الأول شعبيا وليس فقط في الإيرادات هو محليته وخشونته المتعلقة بالأحياء الشعبية ، كونه فيلم يشبه أفلام السرقة heist الهوليوودية لكنه «مصري»،  بلغة مصرية ومفردات مكانية محلية وشعبية، استمر ذلك نسبيا في الجزء الثاني بمشهد مطاردة في شوارع وسط البلد وميدان التحرير بالإضافة لبعض الميل نحو الجماليات الأمريكية ومشاهد الحركة في الأماكن المغلقة والملاهي الليلية،  تلك العشوائية والخشونة المكانية لا مكان لها في فيلم منمق مثل «القاضية».

دراميا، يمكن تفسير ذلك بمكانة الإخوة نفسها بعد التحصل على أموال أكثر استقرارا والانتقال من عين الصيرة إلى مدن جديدة أكثر عصرية، لكن ذلك الابتعاد عما ميز السلسلة بشكل رئيسي يجعل الجزء الثالث شبح للسلسلة أو مجرد فيلم حركة آخر يحاول أن يكون أكبر ما يمكنه انتاجيا ومشهديا، يحتفظ الفيلم فقط بحس الفكاهة الذكوري الفج للاخوة وينقله من مدينة لأخرى، لكنه يجعل الهياكل الأساسية التي تصنع كل شخصية أكثر هشاشة، فتصبح علاقة رضا بحنان (نسرين أمين)  ثانوية، تستخدم فقط لتكرار مشاهد الأجزاء الأخرى من صراخ رضا في وجه حنان كلما طلبت منه التوقف عن السرقة، ويستبدل المرأة المتذمرة بشخصية جديدة وهي سمر (أسماء جلال) خطيبة ربيع، كما أن استبعاد شخصية الأخ الرابع رجب جعلت الفيلم يبدو أجنبيا عن أصله مع عدم اهتمام بمآلات شخصية بني عليها فيلم بأكمله في السابق.

مشهد من فيلم «ولاد رزق 3: القاضية»

المجرمين والسلطة

مع الجزء الثاني فقدت السلسلة ميلها للخشونة والمحلية وأصبحت أكثر تنميقا باستخدام الأشرار ذوو الطبيعية الغرائبية eccentric  وأماكن أكثر عالمية بصريا لتصوير مشاهد المطاردات والمعارك، ابتعدت ولاد رزق كسلسلة بعد جزئها الأول عن العلاقة المعقدة بين المجرمين والشرطة أو أنواع السلطة المختلفة، تلاشى ذلك التوتر بين الشر الغير نظامي (ولاد رزق) والشر النظامي (مؤسسة الشرطة)، المتمثلة في رءوف حمزاوي الذي تعتمد حبكة الجزء الأول على فساده وجشعه المادي، أصبح ذلك التناول الاجتماعي لطبيعة الأعمال الإجرامية غير مرئي في الجزء الثالث، الذي يقع في عالم  مجرد، ما بعد سلطوي حيث التوتر بين المجرمين والسلطة معدوم، لأنه لا وجود لسلطة نظامية.

يصبح الفيلم أشبه بمدينة ملاه واسعة يتحرك بها ولاد رزق دون مخاطر حقيقية، يرسخ ذلك  مكان الفيلم كلوحة إعلانية فعندما ينتقل من القاهرة إلى الرياض، تختزل مشاهد استعراض المدينة في «عالم البوليفار blvd world» الذي يجمع مصغرات لعدة معالم أيقونية من حول العالم، مما يجعل الحركة أكثر زيفا وأقل خطورة، فهي تقع في مساحة أشبه بمصغر مزيف للعالم ، خاصة مع انعدام الوجود الشرطي والأمني بأي شكل أثناء تحرك ولاد رزق وأعدائهم داخل المدينة الترفيهية.

يعتمد ولاد رزق بأجزائه الثلاثة على الانغماس في مجموعة من المتع الأرضية والخطايا، هي سلسلة محتفلة بشكل من أنواع الانحدار decadence، لكن ما يميزها عن غيرها من الأفلام المصرية هو كونها مخلصة لذلك الانحدار. فإذا كان أبطال الأفلام دائما ما ينغمسون في الممنوعات الغير القانونية واللأخلاقية ثم يتوبون لتعليمنا أنها لا تفيد ولا تحقق السعادة، فإن «ولاد رزق» يأخذ أبطاله للنهاية منتصرين، في شكل أكثر واقعية لمآلات الأعمال الإجرامية والاستحقاقات الذكورية، مما يحقق تلك الفانتازيا البدائية من التحصل على الثروة والنساء بشتى الطرق، لا يغير القاضية من ذلك في شيء بل ينتهي باحتفال غنائي مثل سابقيه، ممهدا للأجزاء القادمة بكشف يشبه سلاسل أفلام الأبطال الخارقين، في إشارة لنية التوسع أكثر في حجم العالم السينمائي حتى يشمل ربما مدن جديدة وممثلين جدد وابتعاد أكبر عن محلية وجرأة بداية السلسلة.

# سينما مصرية # أفلام

فيكتور إيريس: العالم بقدم في الواقع وأخرى في الأحلام
سينما القاتل المأجور: القاتل بعيون المكان
You Can Count on Me: عبثية الموت وقسوته في حكايات لونرغان

فن